فصل: الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.بحث بعنوان: الربا أضراره وآثاره في ضوء الكتاب والسنة:

تأليف الفقير إلى الله تعالى: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}.
أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا شك أن موضوع الربا، وأضراره، وآثاره الخطيرة جدير بالعناية، ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه وأنواعه ليبتعد عنه؛ لأن من تعامل بالربا فهو محارب لله وللرسول صلى الله عليه وسلم.
ولأهمية هذا الموضوع جمعت لنفسي ولمن أراد من القاصرين مثلي الأدلة من الكتاب والسنة في أحكام الربا، وبينت أضراره، وآثاره على الفرد والمجتمع.
وقد قسمت البحث إلى: مقدمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة على النحو الآتي:
الباب الأول: الربا قبل الإسلام واشتمل على فصول:
الفصل الأول: تعريف الربا لغة وشرعا.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.
الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا. وشمل ما يلي:
الفصل الأول: التحذير من الربا.
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أ- بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص.
ب- حكمه وسائر أنواع الربا.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أ- تعريفه.
ب- بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص.
الفصل الرابع: بيع العينة.
أ- تعريف بيع العينة.
ب- حكمه وبعض ما ورد من النصوص في ذمه.
الباب الثالث: ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة:
الفصل الأول: جواز التفاضل في غير المكيل والموزون. وبيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه.
الفصل الثالث: الحث على الابتعاد عن الشبهات.
الباب الرابع: فتاوى في مسائل من الربا المعاصر.
الباب الخامس: مضار الربا، ومفاسده، وآثاره.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل مباركا، خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله حجة لي لا حجة علي، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف:
حرر في عام 1405هـ.

.الباب الأول: الربا قبل الإسلام:

الفصل الأول: تعريف الربا: لغة، وشرعا.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.

.الفصل الأول: تعريف الربا لغة وشرعا:

أ- تعريف الربا في اللغة:
الربا في اللغة: هو الزيادة. قال الله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت}.
وقال تعالى: {أن تكون أمة هي أربى من أمة}، أي أكثر عددا يقال: أربى فلان على فلان، إذا زاد عليه.
وأصل الربا الزيادة، إما في نفس الشيء وإما مقابله كدرهم بدرهمين، ويطلق الربا على كل بيع محرم أيضا.
ب- تعريف الربا شرعا:
الربا في الشرع: هو الزيادة في أشياء مخصوصة.
وهو يطلق على شيئين: يطلق على ربا الفضل وربا النسيئة.

.الفصل الثاني: الربا عند اليهود:

لا شك أن اليهود لهم حيل، وأباطيل كثيرة كانوا يحتالون بها، ويخادعون بها أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام. ومن تلك الحيل الباطلة، احتيالهم لأكل الربا وقد نهاهم الله عنه وحرمه عليهم.
قال الله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه}.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: «إن الله قد نهاهم- أي اليهود- عن الربا، فتناولوه، وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواع الحيل، وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل».
وقد صرف اليهود النص المحرم للربا حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود، أما معاملة اليهودي لغير اليهودي بالربا؛ فجعلوه جائزا لا بأس به.
يقول أحد ربانييهم واسمه راب: عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل جهة، ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش، حتى يرهقه، ويعجز عن إيفائه ما لم يتخل عن أملاكه أو حتى يضاهي المال مع فائدة أملاك النصراني، وعندئذ يقوم اليهودي على مدينه- غريمه- وبمعاونة الحاكم يستولي على أملاكه فاتضح من كلام الله تعالى أن الله قد حرم الربا في التوراة على اليهود، فخالفوا أمر الله، واحتالوا، وحرفوا، وبدلوا، واعتبروا أن التحريم إنما يكون بين اليهود فقط، أما مع غيرهم فلا يكون ذلك محرما في زعمهم الباطل؛ ولذلك ذمهم الله في كتابه العزيز كما بينت ذلك آنفا.

.الفصل الثالث: الربا في الجاهلية:

لقد كان الربا منتشرا في عصر الجاهلية انتشارا كبيرا وقد عدوه من الأرباح العظيمة- في زعمهم- التي تعود عليهم بالأموال الطائلة، فقد روى الإمام الطبري رحمه الله بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه.
وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حل أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه: أتقضي أم تربي؟ فإذا لم يقض زاد مقدارا في المال الذي عليه، وأخر له الأجل إلى حين، وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضا. وفي السن كذلك، فإذا كان للرجل فضل دين على آخر فإنه يأتيه إذا حل الأجل. فيقول له: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضاه، وإلا حوله إلى السن التي فوق سنه من تلك الأنعام التي هي دين عليه، فإن كان عليه بنت مخاض، جعلها بنت لبون في السنة الثانية، فإذا أتاه في السنة الثانية ولم يستطع القضى، جعلها حقة في السنة الثالثة، ثم يأتيه في نهاية الأجل فيجعلها جذعة، ثم رباعيا وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة. وفي الأثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه أيضا، فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده من قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه فهذا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
فالربا في الجاهلية كان يعد- كما ذكرت آنفا- من الأرباح التي يحصل عليها رب المال، ولا يهمه ضرر أخيه الإنسان سواء ربح، أم خسر، أصابه الفقر، أم غير ذلك؟ المهم أنه يحصل على المال الطائل، ولو أدى ذلك إلى إهلاك الآخرين، وما ذلك إلا لقبح أفعال الجاهلية وفساد أخلاقهم، وتغير فطرهم التي فطرهم الله عليها، فهم في مجتمع قد انتشرت فيه الفوضى، والرذائل، وعدم احترام الآخرين، فالصغير لا يوقر الكبير، والغني لا يعطف على الفقير، والكبير لا يرحم الصغير، فالقوم في سكرتهم يعمهون. ومما يؤسف له أن الربا لم يقتصر على عصر الجاهلية الأولى فحسب، بل إنه انتشر في المجتمعات التي تدعي الإسلام، وتدعي تطبيق أحكام الله تعالى في أرض الله...! فيجب على كل مسلم أن يطبق أوامر الله وينفذ أحكامه، أما من تعامل بالربا ممن يدعي الإسلام فنقول له بعد أن نوجه إليه النصيحة ونحذره من هذا الجرم الكبير:
إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية الأولى قبل نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

.الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا:

الفصل الأول: التحذير من الربا.
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أ- بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص.
ب- حكمه، وسائر أنواع الربا.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أ- تعريفه.
ب- بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص.
الفصل الرابع: بيع العينة.
أ- تعريف بيع العينة.
ب- حكمه، وبعض ما ورد من النصوص في ذمه.

.الفصل الأول: التحذير من الربا:

لقد ورد في التحذير من الربا نصوص كثيرة من نصوص الكتاب والسنة، وبما أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما المصدران الصافيان، اللذان من أخذ بهما واتبع ما جاء فيهما، فقد فاز وأفلح، ومن أعرض عنهما فإن له معيشة ضنكا وسيحشر يوم القيامة أعمى، ونسمع بعض ما ورد في شأن الربا من نصوص الكتاب والسنة، والله المستعان، وعليه التكلان.
1- قال الله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
2- وقال سبحانه وتعالى: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم}.
3- وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}.
قال ابن عباس رضي الله عنهما هذه آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم.
4- وقال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
5- وقال سبحانه وتعالى في شأن اليهود حينما نهاهم عن الربا وحرمه عليهم، فسلكوا طريق الحيل لإبطال ما أمرهم به قال سبحانه في ذلك: {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما}.
6- وقال عز وجل: {وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}.
7- وعن جابر رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه»، وقال: «هم سواء».
8- وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرد حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا».
9- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
10- وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة».
11- وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلغت؟ قالوا: نعم، ثلاث مرات. قال: اللهم اشهد ثلاث مرات».
ففي هذا الحديث أن ما أدركه الإسلام من أحكام الجاهلية فإنه يلقاه بالرد والتنكير، وأن الكافر إذا أربى في كفره ثم لم يقبض المال حتى أسلم فإنه يأخذ رأسه ماله، ويضع الربا، فأما ما كان قد مضى من أحكامهم فإن الإسلام يلقاه بالعفو فلا يتعرض لهم فيما مضى، وقد عفا الله عن الماضي، فالإسلام يجب ما قبله من الذنوب.
12- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن الحلال أم من الحرام» أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا تحذيرا من فتنة المال، فهو من بعض دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذم من جهة التسوية بين الأمرين وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموما من حيث هو والله أعلم.
13- وعن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة، والمستوشمة، وآكل الربا، وموكله، ولعن المصور».
14- وعن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم».
15- وروي عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية».
16- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشترى الثمرة حتى تطعم، وقال: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله».